A Commentary on Jami` at-Tirmidhi - Al-Rajhi
شرح جامع الترمذي - الراجحي
Genres
ما جاء في النهي عن البول قائمًا
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في النهي عن البول قائمًا.
حدثنا علي بن حجر، أخبرنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة ﵂ قالت: (من حدثكم أن النبي ﷺ كان يبول قائمًا فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدًا)].
حديث عائشة محمول على أنها أخبرت عما علمته في البيوت، وحديث حذيفة: (أن النبي ﷺ أتى سباطة قوم فبال قائمًا) أصح منه.
فـ حذيفة أخبر عما رآه في الصحراء، وعائشة أخبرت عما رأته في البنيان، والمثبت مقدم على النافي؛ لأن معه زيادة علم خفي على النافي، أي: على عائشة، ثم إن حديث حذيفة أصح، ويحمل حديث عائشة على أن هذا في البيوت، وأن هذا هو الأكثر من فعله ﷺ، وأما بوله قائمًا فلبيان الجواز ﵊، وقيل: إنه فعله لوجع في باطن الركبة، أو لوجع في صلبه، والصواب: أنه فعله لبيان الجواز؛ ولأن المكان غير مناسب للبول، إما لأنه مرتفع قد يصل إليه البول، أو لأن الأرض صلبة أو نجسة، وكون حوله حذيفة يستره يجوز للإنسان أن يبول قائمًا إذا أمن النظر من الأعين، لكن الأفضل البول جالسًا وقد سبق معنا ذلك في النسائي وفي أبي داود، وهنا بوب الترمذي بالنهي عن البول قائمًا.
ولما ذكر المؤلف: [باب ما جاء في النهي عن البول قائمًا] ذكر حديث عائشة وليس فيه نهي؛ لأن عائشة إنما أخبرت بما رأت.
ومن رواة حديث عائشة شريك بن عبد الله النخعي القاضي، ولما تولى القضاء ضعف، وحديث حذيفة أصح في الصحيحين، وحديث عائشة في سنده شريك القاضي، لكنه محمول على ما كان في البنيان.
إذًا: حديث عائشة محمول على ما كان في البنيان، وهي أخبرت عما علمته من البيوت، لكن حذيفة أخبر عما رآه خارج البيوت، والقاعدة عند أهل العلم: أن المثبت مقدم على النافي؛ لأن معه زيادة علم خفي على النافي.
ثم أيضًا هذا محمول على أن الأغلب من حاله ﵊ أنه كان يبول جالسًا، وإنما فعله هذا مرة لبيان الجواز، حتى ذكر بعضهم أن أهل هراة قالوا: إن من السنة البول قائمًا، فكانوا يبولون في كل سنة مرة قيامًا، وهذا مبالغة فيه.
لكن على أي حال حديث حذيفة أصح منه، لكن تبويب الترمذي ﵀ باب النهي غريب، يعني: الترجمة هذه؛ لأن ليس فيها نهي.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: وفي الباب عن عمر وبريدة وعبد الرحمن بن حسنة ﵃.
قال أبو عيسى: حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصح.
وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق عن نافع عن ابن عمر عن عمر ﵁ قال: (رآني النبي ﷺ وأنا أبول قائمًا، وقال: يا عمر! لا تبل قائمًا، فما بلت قائمًا بعد).
قال أبو عيسى: وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف عند أهل الحديث: ضعفه أيوب السختياني، وتكلم فيه.
وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر ﵁: ما بلت قائمًا منذ أسلمت.
وهذا أصح من حديث عبد الكريم.
وحديث بريدة في هذا غير محفوظ، ومعنى النهي عن البول قائمًا: على التأديب لا على التحريم].
وهذا يحمل على أن الأفضل والأولى تركه، والنهي للتنزيه، وهذا إذا صح.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد روي عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم].
إن صح هذا عن ابن مسعود فإنه محمول على أنه خفي عليه ما رواه حذيفة (أن النبي ﷺ بال قائمًا).
2 / 9